ظهر الإسمنت في عالمنا منذ القدم، فعندما كانت الأرض تمر بتغييرات جيولوجية مهمة توجَّهنا لصناعة الإسمنت كحل مهم وطويل الأمد، ففي بادئ الأمر لجأ الإنسان لإستخدام الإسمنت الطبيعي، وفي نهاية المطاف اكتشف كيفية تصنيع الإسمنت بإستخدام مواد أخرى.
الفراعنة والبابليون والآشوريون والصينيون والإغريق عرفوا جميعهم الإسمنت مع الطين والجبس والأحجار الجيرية والقش، وصنعوا منه قوالب إسمنتية في بناء الأهرامات والجسور والقلاع والحصون، حتى أن الرومان طوروا نوعاً معيناً من الخرسانة يثبت أسفل المياه (يسمى الخرسان أو الإسمنت المائي) يحتوي هذا المزيج المميز على جير ورماد بركاني. وأكثر دليل على قوة الخرسانة المستخدمة هو أن المباني والجسور والطرق لا تزال قائمة حتى يومنا هذا، أي بعد مرور 2000 عام على بنائها، وتطورت تاريخياً حتى أصبح الإسمنت يتشكل بالمصانع، لتصبح المادة الأولى لحل مشكلات البناء الإنشائية والمعمارية في زمننا الحاضر.
والآن، سنحاول التركيز على مادة الإسمنت (الخرسانة المسلحة) كمادة رئيسية في البناء والإنشاء الحضري في جميع مجالاته، بدءاً من البنى التحتية كالطرقات والجسور والمباني الخدمية كالمشافي والمدارس والمطارات والأبنية السكنية المشتركة أو الفردية إلى مالا نهاية من المشاريع الهندسية في مختلف مجالات الحياة.
هنالك ثلاث حلول هندسية لإنشاء الأبنية بشكل عام عبر استخدام الخرسانة أو البيتون بعد إنتاجها في معامل الخلط الإسمنتي:
1- الصب الموقعي(Cast in situ )يشمل جميع الهياكل الانشائية، وهي الطريقة القديمة والتقليدية عبر تجهيز قوالب الصب مع قضبان التسليح في موقع البناء ومن ثم صب الخرسانة فيها.
2- المسبق الصنع (Precast) أي صب الهيكل الإنشائي أو المعماري للمبنى في المصنع عبر القوالب الجاهزة ومن ثم نقلها وتركيبها في موقع البناء.
3- دمج الطريقتين السابقتين عبر صب أجزاء من المبنى في الموقع وأجزاء أخرى في المصنع .
ولكل طريقة أو حل من الحلول السابقة مواصفات وطرق ومنهجية عمل متبعة، حسب القوانين والأنظمة المتبعة في كل بلد أو بلدية معينة.
ًسنناقش في هذه البحث نظام الخرسانة المسبقة الصنع المتعارف عليها عالميا (Precast):
وكما علمنا مسبقاً، أن الملاط أو الخرسانة قديمة في الإستخدام، قدم الحضارة، ولكل زمن أنظمته ومواصفاته الهندسية بإيجاد الحلول عبر المواد المستخدمة، بأخذ الإعتبار الظروف البيئية والوظيفية، إلا أن الخرسانة المسبقة الصنع تعتبر نوعاً ما حديثة، مطلع القرن العشرين، وساهمت الحروب العسكرية العالمية بتطوير البريكاست وطريقة صبه، بسبب الطلب الكبير والسريع في الحربين العالمتين وخاصة في ألمانيا وأميركا من قبل الإنشاءات العسكرية الهندسية التابعة لوزارات الدفاع ومساعد شركات خاصة مثل دروش الألماني وشركته الرائدة الهندسية في التصميم والإشراف، وكذلك الأمر في أميركا مثل كون برذورز ،رايت كومباني،دورا ستريس وثلاث شركات أخريات استحدثت فيما بعد بما يعرف الآن معهد النظام المسبق الصنع للإسمنت اختصاراً (PCI)عام 1954 في فلوريدا بأميركا لوضع ضوابط واطر تنظيمية بسبب الطفرة العمرانية بعد الحرب العالمية الثانية وبما يعرف بمشروع مارشال .
ومنذ تأسيسه أدرك المؤسسون أهمية تطوير مجموعة معرفية كمعهد تقني. نشر المعهد أول مواصفاته، "المواصفات للخرسانة سابقة الإجهاد المشدودة مسبقًا" . في أكتوبر 1954. تأليف هاري إدواردز
Specification for Pre-Tensioned Bonded Prestressed Concrete.
المنهجية والتطبيق:
التحضير والصب:
يتم عبر قوالب أو طاولات مجهّزة داخل المصنع لكل من الجدران والعمدان والجسور متضمنة تركيب الأنابيب والعلب والإكسسورات اللازمة للأعمال الكهربائية والميكانيكية، ومن ثم صبها بالبيتون
ًالجدير بالذكر أنه مواصفات البيتون المستخدم في صب الجدران تختلف عن الأسقف المسبقة الإجهاد، من حيث حجم الحصى المستخدمة، وكميات المياه، ونسب الإسمنت في المتر المكعب، وتختلف أيضا
في طريقة الصب، فالبلاطات المفرغة تصب بماكينات ضغط تمر على الأسلاك والكابلات المشدودة مسبقاً لتكون الشكل النهائي للبلاطات، ولها قياسات عالمية معتمدة من حيث الأبعاد الثلاثة (الطول والعرض والإرتفاع).
المعالجة:
تفك القوالب وترفع الجدران والبلاطات المسبقة الإجهاد، ومن ثم تجهز وتنقل الى الموقع، مع الأخذ بعين الإعتبار اشتراطات تصلب البيتون والإختبارات المطبقة من متانة وضغط وقساوة
التركيب والإصلاح:
وتكون هذه المرحلة الأخيرة من رحلة البريكاست، ليشكل جسم المبنى النهائي، وتتم عبر مراحل بداية من الطابق الأرضي صعوداً إلى نهاية الجسم الرئيسي للمبنى
الخلاصة والإقتراحات: البريكاست واحد من أفضل الحلول للمشاريع العملاقة للمدن السكنية أو الجسور والأنفاق والبنية التحتية، وهو حل مثالي لإختصار الوقت وتوفير تكلفة الأيدي العاملة والمعدات المرافقة، وأقل إنتاجاً للنفايات المصاحبة في عمليات البناء، وخاصة بعد اعتماد بعض الدول كالصين للبيوت الجاهزة الكاملة في نظامها الهندسي، اختصاراً للوقت والتكلفة وتخفيض المخلفات والنفايات الناتجة عن عمليات البناء.
المزايا والعيوب:
تعتبر الألواح الإسمنتية المسبق الصنع Precast panels ذات جودة عالية جداً من حيث متانتها والإختبارات الناتجة عن خلطة البيتون، كونها تتم بظروف مثالية للخرسانة، وبعيداً عن الظروف الجوية - إن كانت حارة أو باردة - التي لها تأثيراً كبيراً على تصلب الإسمنت، والدرجة المثلى 27 مئوية، وعند تركيبها في موقع البناء تعتبر جاهزة للصباغ فوراً فلا تحتاج إلى معالجة .
إنتاج البريكاست عالي التكلفة، إذا أخذ بعين الإعتبار التجهيزات الكبيرة والمعقدة من قوالب وأماكن تخزين وعمليات لوجستية (من نقل وتركيب ومعدات كثيرة مصاحبة لها).
وهو أكثر الحلول نجاعة للبريكاست، الذي يعتمده المهندسون والمصممون والملّاك، مثلاً الصور المتعلقة هي لمشروع البلوم جاردن في أبو ظبي، وهو عبارة عن 400 فيلا سكنية متنوعة التصميم، تم تنفيذها خلال سنتين، ويعتبر أكبر وأسرع مشروع هندسي تم وسجل في الإمارات (مدينة الفلاح الجديدة) وتتألف من 5000 فيلا تم تنفيذها خلال 3 سنوات، وتم تسليم مفاتيح أول ألف وحدة بعد سنة من بدء المشروع .
إنتاج الإسمنت يعتبر ضار جداً للبيئة، ويعتبر الإسمنت ثاني أكبر مادة مستهلكة في العالم بعد الماء، ومن أول خمس مواد ضارة بيئياً، لكن بعد تركيبه يستمر المبنى بحالة جيدة حتى مئة عام.