مرّتِ العمارةُ الإسلاميّةُ خلالَ التّاريخِ بعدةِ مراحلٍ ساعدَتْ على تطويرِ وابتكارِ عناصرٍ معماريّةٍ جديدةٍ وبديعةٍ، ومبانٍ ذاتِ وظيفةٍ لم يكن لها ظهورٌ قبلَ الإسلامِ، تطوّرتِ العمارةُ الإسلاميّةُ عبرَ عدّةِ مراحلٍ مرّتْ بها تبعاً لطبيعةِ الحكمِ في ذلك الوقتِ والمنطقةِ الَّتي وصلتِ إليها، بدايةً من عصرِ الأموييّنِ ثمَّ العباسييّنَ وما تَبِعَها منَ العصرَ الفاطميِّ والأيوبيِّ والمملوكيِّ وحتّى العصرِ العثمانيِّ، لم يكنْ للعمارةِ العربيّةِ قبلَ الإسلامِ الكثيرَ منَ العناصرِ والأساليبِ الفنيّةِ الجميلةِ، ولكن معَ ظهورِ الأُسرِ الإسلاميّةِ الحاكمةِ ظهرَ معها العديدَ منَ الابتكاراتِ والإبداعاتِ الَّتي امتازُوا بها مُظهرينَ ومخلّدينَ أسماءَهُم وتاريخَهُم من خلالِ هذه العماراتِ التَّاريخيّةِ. قام المسلمونَ باقتباسِ بعضِ الأفكارِ البنائيّةِ المستعملةِ في الكنائسِ القديمةِ والقصورِ، وعملُوا على تطويرِها واستعمالِها في مبانِيهم بطرقٍ فريدةٍ لا مثيلَ لها متناسبةً مع تعاليمِ الدِّينِ الإسلاميَّ، بالإضافةِ لابتكارِهم لفنونِ الزَّخرفةِ بنوعَيها الهندسيّة والنَّباتيّة، وكذلك لظهورِ الكثيرِ من العناصرِ الجديدةِ كالمُقَرْنَصَاتِ وفَنِّ الفُسيفساءِ. كما استحدثُوا العديدَ منَ المبانِي الوظيفيّةَ لم تكنْ موجودةً قبلَ ظهورِ الإسلامِ مثلَ المستشفياتِ أو البِمارِستَانَات والمدارسِ والخاناتِ وسبيلَ المياهِ وبالطّبعِ المساجدَ، والَّتي أثبتوا من خلالَها تميّزَهم وإبداعَهم، فبرزَ الفنُّ الإسلاميُّ كفنٍ عريقٍ لهُ جمالُه الفريدُ وسحرهُ الخاصُّ.
عناصرُ العمارةِ الإسلاميّةِ:
تتكونُ العمارةُ الإسلاميّةُ من عدّةِ عناصرٍ ومكوناتٍ تتميّزُ فيها عن باقي العمائرِ العالميّةِ الأخرى، كما تتنوعُ هذهِ العناصرُ أيضاً بطرزِها وأشكالِها الَّتي تطوّرَتْ على طولِ الفترةِ التي استمرَ فيها الحكمُ الإسلاميُّ في البقاعِ المختلفةِ، فتطورَتْ تبعاً لطبيعةِ المدينةِ وساكنِيها وطبيعتِهم الاجتماعيةِ، وسنتطرّقُ بشكلٍ موجزٍ في هذا المقالِ لمجموعةٍ من هذهِ العناصرِ وأبرزِ ما يميزُها.
القُبَّة:
هي أحدُ أشهرِ العناصرِ الإسلاميّةِ الَّتي تستعملُ لتغطيةِ الفراغاتِ، ويبرزُ استعمالُها بشكلٍ خاصٍ في المساجدِ، حجمياً هي نصفُ كرةً يختلفُ قطرُها تبعاً لتصميمِها الإنشائيِّ، وقد قامَ المعماريونَ المسلمونَ بتطويرِها بتصاميمَ مختلفةٍ حسبَ الطِّرازِ المعماريِّ في العصرِ الَّتي صُممَّت فيه فمنها القبابُ نصفِ الكرويّةِ، القبابُ البصليّةُ، القبابُ المفلطحةُ، والأقبيّةُ الصّغيرةُ. وغيرها منَ الأشكالِ اِّلتي أبدعَ المسلمونَ في تصميمِها.
العُقُودُ:
هي عناصرٌ إنشائيةٌ تأخذُ شكلَ أقواسٍ دائريّةٍ أو بيضويّةٍ، تمَّ إنشائُها لشكلِها الَّذي يساعُد على تخفيفِ الحمولاتِ وحملِ العناصرِ الإنشائيّةِ، وقد أبدعَ المسلمونَ في زخرفتِها وتشكيلِها وتصميمِها بأشكالٍ مميزةٍ امتازَتْ بها عن غيرِها من العماراتِ الأخرى، ومن أشهرِ أنواعِها العقودُ المدبّبةُ، العقودُ الفاطميّةُ، وعقودُ حدوةِ الفرسِ وغيرِها.
يلعبُ السّياقُ دوراً مهماً في تشكيلِ العمارةِ الإسلاميّةِ الحديثة. يجبُ على المهندسينَ المعماريّينَ والمصممينَ مراعاةُ السّياقِ الاجتماعيِّ والثّقافيِّ والسّياسيِّ الَّذي يعملونَ فيهِ من أجلِ إنشاءِ مبانٍ وظيفيةٍ وذاتِ مغزىً. على سبيلِ المثالِ، في البلدانِ الَّتي تتمتعُ فيها العمارةُ الإسلاميّةُ بتاريخٍ طويلٍ، قد يعتمدُ المهندسونُ المعماريّونُ على عناصرِ التّصميمِ التّقليديّةِ في المنطقةِ لإنشاءِ المبانِي الَّتي تعكسُ التّقاليدَ الثّقافيةَ المحليّةَ، حيثُ يُحافظُ على التَّاريخِ المعماريَّ للمنطقةِ بإقامةِ المبانِي الجديدةِ على نفسِ النّمطِ المعماريِّ الموجودِ وتطويرهِ عن طريقِ تطويرِ الأنماطِ الأساسيةِ البارزةِ في هذا السّياقِ بطرقٍ مبتكرةٍ للوصولِ إلى الوحدةِ التّصميميّةِ والحفاظِ على الهويّةِ المحليّةِ.
في سياقاتٍ أخرى، قد يكونُ المهندسونُ المعماريونَ أكثرَ تركيزاً على إنشاءِ مبانٍ مستدامةٍ موفرةٍ للطّاقةِ ومستجيبةٍ للبيئةِ المحليّةِ، وهوَ ما توفرهُ المبانِي الإسلاميّةُ التّقليديّةُ وعناصرُها.
أحدُ الأمثلةِ على كيفيةِ تأثيرِ السّياقِ على تصميمِ المبانِي الإسلاميّةِ الحديثةِ، هو تطويرُ مدينةِ مَصْدَر في أبو ظبي. وهي مدينةٌ مخططةٌ لتكونَ واحدةً من أكثرِ المدنِ استدامةً في العالمِ، وتهدفُ للتّركيزِ على الطّاقةِ المتجددةِ وانبعاثاتِ الكربونِ الصّفريةِ باستعمالِها لموادِ البناءِ المحليّةِ وتقليلِ استهلاكِ الطّاقةِ عن طريقِ زيادةِ الإضاءةِ الطّبيعيّةِ والتّقليلِ منَ اكتسابِ الحرارةِ. كما يُعدُّ معهدُ مَصْدَر للعلومِ والتّكنولوجيا، الواقعُ في مدينةِ مَصْدَر، مثالاً بارزاً على العمارةِ الإسلاميّةِ الحديثةِ الَّتي تستجيبُ لسياقَها البيئيِّ، يتميزُ المبنِى بتصميمٍ فريدٍ للاستفادةِ منَ الإنارةِ الطّبيعيّةِ ويقلّلُ منَ استخدامِ الطّاقةِ، معَ دمجِ عناصرِ التَّصميمِ الإسلاميّةِ التّقليديّةِ مثلَ الأنماطِ الهندسيّةِ والخطِّ.