العمارةُ العثمانيةُ الهندسيّةُ هي من أهمِّ الإنجازاتِ الّتي تركتهَا الدّولةُ العثمانيّةُ، حيثُ امتدت هذهِ العمارةُ على مساحةٍ شاسعةٍ من أوروبا وآسيا وأفريقيا، وأثّرت على تطورِ العِمرانِ وإضافةِ الكثيرِ من العناصرِ المعماريّةِ الّتي لم يكن لها وجودٌ من قبلُ.
العثمانيّين في مِصرَ
أصابَ دولة المماليكِ الضّعفَ، وانتقلَ الحُكمُ من بعدهم للعثمانيّينَ سنةَ 923هـ/1517م وبذلكَ فقدت البلادُ استقلالَهَا، ورحلَ الصُّناعُ المَهَرةُ والفنيّينَ، وأصابَ مِصرَ ركودٌ فنيٌّ وسياسيٌّ وأصبحت ولايةً تركيّةً، ولكن هذا الرُّكودُ استمرَ لفترةٍ قصيرةٍ وهي فترةُ المنشآتِ المشيّدةِ على يدِ عبدِ الرّحمنِ كتخدا.
ملامحُ عمارةِ الدّولةِ العثمانيّةِ
لقد أخذَ الأتراكُ كثيرًا من العناصرِ المعماريّةِ للسلاجقةِ في قُونيا، منها المُقَرْنَصَاتِ والدّلاياتِ المستقيمةِ المميّزةِ لعمارتهِمُ، والأبوابِ المتداخلةِ العميقةِ والموضوعةِ داخلَ إطارٍ مزخرفٍ زخرفةُ بارزةً، بالإضافةِ إلى الزَّخرفةِ باستخدامِ الخَزَفِ.
ثمَّ مع نقلِ عاصمتهِمُ لبورصة تأثَّروا بالعمارةِ البيزنطيّةِ، حيثُ أصبحت القُبةُ هي العنصرُ المسيطرُ في التَّصميمِ المعماريّ، وتمَّ استخدامُ الحجرِ والطُوبِ في مَدَامِيكٍ مُتبادَلةٍ.
ظهرَ أيضًا تغيّرٌ واضحٌ في شكلِ المَئذنةِ في العهدِ العثمانيِّ، فبدلًا من تشييدِهَا من طبقاتٍ تَقُلُّ مساحةُ كلُّ طبقةٍ عنِ الّتي تسبِقُهَا، فقد بنوا مئذنةً أسطوانيّةً رفيعةً بنهايةٍ مَخروطيّةٍ تشبِهُ سِنَّ قلمِ الرَّصاصِ.
كما ظهرت عناصرٌ زخرفيّةٌ لم تكن شائعةً من قبلُ أهمُّهَا القِيشَانِيّ المُلوَّنُ في كسوةِ الحوائطِ والقِبابِ.
وظهرَ نوعٌ جديدٌ من المساجدِ ويُعرفُ باسمِ التَّكيّةُ وهو مسجدٌ ملحقٌ بغرفٍ للدَراويشِ.
بعض مباني العهد العثماني في مصر:
المباني الدينيّةُ:
مسجد سليمان باشا
مسجد سنان باشا
جامع الملكة صفيّة
مسجد محمد بك ابو الذهب
جامع المحموديّة
مسجد البردينيّ
جامع السّليمانيّة
مدرسة السّليمانيّة
مدرسة السّلطان محمود
المباني الخدميّة:
وكالة بازرعة
سبيل خسرو باشا
سبيل عبد الرحمن كتخدا
سبيل رقيّة دودو
سبيل الشيخ مرشد
المباني السكنيّة:
منزل الكريدليّة وآمنة بنت سالم
منزل جمال الدين أبو الذهب
منزل السحيمي
مسجد سليمان باشا بالقلعة 935هـ /1528م:
يقعُ في الجهةِ الشَّماليّةِ الشَّرقيّةِ من قلعةِ الجبلِ في المنصورةِ، وقد أنشأهُ الأميرُ أبو منصورٍ قسطه الأمويّ في سنةِ 535 هجريّة، ثم جدّدهُ سليمان باشا الخادم والي مِصرَ في عهد السُّلطانِ سليمان سنة 935 هجريّة. يعتبرُ أوّلُ مسجدٍ عثمانيٍّ في مِصرَ، وقد تأثَّر في عمارتِهِ بالعمارةِ المملوكيّةِ في الكتاباتِ والزَّخارفِ.
يتكونُ المسجدُ من قسمينِ:
القسمُ الأولُّ: هو بيتُ اللهِ ومغطى بقُبةٍ مركزيّةٍ ضخمةٍ في الوسطِ محمولةً على مثلثاتٍ كرويّةٍ منَ الأركانِ، ويحيطُ بها من ثلاثِ جهاتً ثلاثُ إيوَاناتٍ أعمقُهَا وليسَ اوسعُهَا إيوانُ القِبلةِ، يُقابلُهُ مِحرَابٌ ذو عَقدً مدببٍ، زُينَ بزخارفٍ رخاميّةٍ ملوّنةٍ، والجزءُ العلويُّ من جدرانِهِ به كتاباتٌ قرآنيّةٌ واسمُ المنشأةِ واسمُ سلطانِ الدَّولةِ. وكلُّ إيوانٍ مُغطى بقُبةٍ محمولةٍ أيضًا على مثلثاتٍ كُرويّةٍ.
القسمُ الثّانيّ: وهو الصّحنُ أو يُسمى أيضًا الحَرَمُ، يتوضعُ في الوسطِ ومكشوفٌ، فُرشت أرضيتُهُ بزخارفٍ رخاميّةٍ ملوَّنةٍ، ويحيطُ بهِ أربعُ مِظلاتً تغطيهَا قِبابٌ صغيرةٌ منخفضةٌ، والجهةُ الغربيّةُ من الصّحنِ مغطاةٌ بقبّةٍ صغيرةٍ وبها عدّةُ قبورٍ.
أُنشئت بأمرٍ من سُليمان باشا الخادم، وتقعُ جنوبَ بابِ زويلة بآخرِ شارعِ السّروجيةِ، وهي أولُّ مدرسةٍ شيدت في العصرِ العثمانيِّ، وكانت الدّراسةُ بها باللّغةِ العثمانيّةِ ثمَّ تمَّ تحويلُهَا إلى تَكيّةٍ بعدَ فترةٍ لإقامةِ الدراويشِ بِها.
تتكونُ المدرسةُ من صحنٍ مكشوفٍ مربعٍ محاطٌ بأربعِ ظِلاتٍ، كلُّ ظِلةٍ عبارةٌ عن غرفٍ يتقدمُهَا رِواقٍ يَطلُّ على الصَّحنِ. ترتفعُ المدرسةُ عن أرضِ الشّارعِ ويُدخلُ إليهَا بدرجٍ من داخلِ مدخلِها العموميِّ بشارعِ السّروجيةِ.
يقعُ في شارعِ جامعِ السّنانيّةِ ببولاقِ القاهرةِ، وقد أمرَ بإنشائِهِ سنانُ باشا والي مِصرَ في عهد السّلطانِ سليمِ الثّانيّ، وهو ثاني مسجدٍ بُني على الطِّرازِ العثمانيِّ في مِصرَ.
يتكونُ المسجدُ من بيتِ الصّلاةِ، وهو عبارةٌ عن مساحةٍ مربعةٍ يتوسطُ صدرُها محرابٌ داخلُهُ مزخرفٌ بالأطباقِ النّجميةِ، ومغطىً بقُبةٍ هائلةٍ مبنيّةٍ بالحجرِ منَ الدّاخلِ ومكسوةٌ بالبياضِ من الخارجِ، ويمينُ المحرابِ مِنبرٌ خشبيٌّ مُشابه للمنابرِ المملوكيّة عدا الجوسق الذي يُشبهُ قِمَمَ المآذنِ العثمانيّةِ، وبيتُ الصّلاةِ محاطٌ بثلاثِ أروقةٍ مغطاةٍ بِقبابٍ ضَحلَةٍ. تمَّ وضعُ المَطهَرةِ منفصلةً عن كُتلةِ المسجدِ للحفاظِ على طَهارتِهِ.
واجهةُ المبنى: الشكلُّ الخارجيُّ لها لم يرتبط بنظامٍ معينٍ كما في العمارةِ المملوكيّةِ فجاءت واجهةُ الجامعِ مُتوّجةً بحطّاتٍ من المُقَرنَصَاتِ نُظمت بِها شبابيكٌ.
أمّا واجهةُ الأروقةِ عبارةٌ عن بائكاتٍ ذاتِ عقودٍ مدبّبةٍ ترتكزُ على أعمدةٍ مستديرةٍ من الرُّخامِ ودعاماتٍ حجريّةٍ.
لم ترتبط المِئذنةُ بالمدخلِ، بل وضعت ككُتلةٍ شِبهُ متصلةٍ على امتدادِ حائطِ القِبلةِ، وقد كانت على الطّرازِ العثمانيِّ بنهايةٍ مخروطيّةٍ مُدبّبةٍ.
يقعُ المنزلُ في شارعِ جامعِ بنِ طولونِ بحيِّ السّيدة زينب القاهرة. أنشأ المنزل الأول الحاجُ محمد بن سالم الجزار عام 1630م وعُرفَ ببيتِ الكريدليّة، وأنشأ المنزلَ الآخرَ المعلمُ عبد القادر الحداد عام ١٥٤٠م وعُرف بمنزلِ آمنةَ بنت سالم والآن يُطلق على المنزلينِ مُتحفُ جائر أندرسون.
وبسيطرةِ محمّد علي على مِصرَ لم يتوقف تأثيرُ العمارةِ العثمانيّةِ عليها، وإنّما استمرت معَ بعضِ الإضافاتِ، وظهرت أيضًا طُرُزٌ جديدةٌ أضافت جمالًا معماريًّا جديدًا على المباني المصريّةِ في تلك الفترةِ.