التراثُ بمفهومهِ يعني كلَّ ما يرثهُ جيلٌ من جيلٍ قد سبقهُ، سواءً كان إرثاً مادياً أو معنوياً، وسواء أكانَ عاداتٍ و تقاليدٍ أو عقاراتٍ ...الخ. والإرثُ المعماريّ هو تلكَ المباني التي تعكسُ تاريخَ وحضارةِ أممٍ قد عاشتها، وتعكسُ أصالتها. ومن هنا جاءتِ المواثيقُ الدوليةُ والمؤتمراتُ التي تُنادي بحمايةِ هذا التراثِ والمحافظةِ عليه. ومن خلالِ هذه المقالة سوفَ نتعرّفُ على أهمّ العواملِ المؤثرةِ على المباني التراثيّة، ونتطرقُ أيضاً إلى سبلِ الحفاظِ عليها وحمايتها .
ما هي المباني التراثية
هي المباني ذاتِ القيمةِ التراثيةِ إمّا المعماريّة، أو الثقافيّة، أو الاجتماعيّة، أو التاريخية، أو الفنية، وتُعدُّ هذه المباني مزاراً سياحياً. كما أنَّ معرفةَ أهمّ عواملِ التلفِ المؤثرةِ على هذه المباني يُحددُ أفضلَ طُرقِ التعاملِ معها ويُسهّل من عمليةِ الحفاظِ عليها وترميمها.
المباني التاريخية
هي تلكَ المدنُ القديمةُ التي تُمثلُ جانباً من التراثِ المعماريّ ، إذ تحملُ مبانٍ من عصورٍ قد مضت، كما تشملُ أيضاً المواقعَ الريفية والحضرية التي يُكتَشفُ فيها دليلاً لحضارةٍ معينة. وليس من الضروريّ أن يكون قد مضى على هذه المباني عتباتِ المئةِ عامٍ أوأكثر، إذ إنَّ المباني المستحدثة التي تحملُ قيماً فنيةً أو ميزةً تاريخيةً أو قوميةً تُدرجُ تحتَ المباني التاريخيةِ أيضاً .
بعضُ العواملِ المؤثّرةِ على تلفِ المباني التراثية:
أولاً عواملٌ طبيعيةٌ
تتمثلُ في:
- القوى الطبيعية مثلَ الزلازلِ والبراكينِ والفيضانات...الخ، التي تتسببُ في تدميرِ المباني التراثيّة.
- تأثُرُ التربةِ بالموادّ العضويّةِ والكبريتاتِ التي تنتقلُ لها عن طريقِ المياهِ الجوفيةِ الملوثة، فتصبحُ التربةُ هشّةً غير ثابتة.
ثانياً عواملٌ بشريّةٌ
تتمثل في:
- سوءِ استخدامِ الأراضي واكتظاظِ الأنشطة.
- الكثافةُ السكانيّةُ العالية، والمباني العشوائيّةِ، واتجاهَ النموّ العمرانيّ إلى المناطقِ التراثيّة.
- إنشاءُ عماراتٍ ذاتِ ارتفاعٍ عالي بشكلّ ملاصقٍ للمباني التراثيّة، يُؤثرُ على سلامتها الإنشائية، كأن يُسببَ شروخٍ في جُدرانها أو يؤدّي إلى هبوطٍ في التربةِ تحتها.
- سوءُ الاستخدامِ للمباني التراثيّة، والمحاولةُ المستمرةُ لهدمها ليحلَّ محلّها مباني حديثة.
ثالثاً عواملٌ تكنولوجيّة:
- حركةُ المرورِ الآليّ داخلَ المناطقِ التراثيّةِ تتسببُ في الاهتزازاتِ والضوضاء.
- عوادمُ السياراتِ الناتجةِ عن المرورِ الآليّ الكثيفِ، والتي تتحولُّ إلى حمضِ كبريتيك في وجودِ الرطوبةِ تتسببُ في تآكلِ حجارةِ وطوبِ المباني التراثية.
طرقِ وسبلِ الحفاظِ على التراثِ المعماريّ:
1. الصيانة:
- صيانةٌ دوريةٌ أووقائية للمبنى؛ لتجنبِ حدوثِ أيَّ تلفٍ بهِ، أوتشويهٍ محتملٍ، أوصيانةٍ إصلاحيةٍ لأيّ تلفٍ قد وقع فعلاً .
- صيانةٌ فوريةٌ تتمُّ بمجردِ ظهورِ أيّ علاماتٍ لحدوثِ تلفٍ أو انهيارٍ.
2.الحمايةُ والوقاية:
يتمُّ فيها حمايةُ المبنى من البيئةِ الخارجيةِ والتحكمِ بما يحيطُ به، وهذا يَسهُلُ تطبيقهُ على المباني الفنيةِ عاليةِ القيمةِ، والتي يُمكنُ الحفاظُ عليها داخل بيئةٍ مثاليةٍ كالمتاحفِ، أمّا المباني التي يَصعُبُ تغليفُها و حمايتُها فيتمُّ وضعُ التشريعاتِ والقوانينِ الصارمةِ لمنعِ التدخلِ البشريّ بهدمِ أو تعديلِ ايّ جزءٍ من المبنى، وأيضاً يتمُّ اتخاذُ التدابيرِاللازمةِ للسلامةِ في حال حدوثِ حريق.
3.:التقويةُ والتدعيمُ الانشائيّ
.يتمُّ تطبيقُ هذه العملية على الحوائطِ والأساسات
عن طريقِ تركيبِ موادٍّ تدعيميةٍ خشبيةٍ أو معدنيةٍ أوإضافةِ سمكِ حائطٍ جديدٍ يساعدُ في حملِ الأجزاءِ المهددةِ بالانهيار.
بحقنِ التربةِ الضعيفةِ المليئةِ بالفراغاتِ بالسوائلِ الخفيفةِ المخلوطةِ بالإسمنتِ، بغرضِ تحسينِ طبيعةِ التربةِ وعلاجِ عيوبها.
4.الترميمُ والإصلاح:
عمليةٌ أساسها احترامُ المادّةِ الأصليةِ للمبنى، حيثُ تقومُ بحفظِ وإظهارِ القيمةِ الجماليةِ للمبنى التراثيّ، طبقاً لوثائقهِ الأصليةِ. وذلك عن طريقِ إزالةِ أيّ تعديلٍ طرأ على المبنى وإصلاحِ الأضرارِ التي لحقت به.
5.إعادة البناء:
من النادرِ اللجوءِ لهذه الطريقةِ، حيثُ يتمُّ استخدامها في حالةِ انهيارِ جُزءٍ من المبنى، وتتطلبُ دقةً كبيرةً مع استخدامِ نفسِ موادِّ البناءِ، وقد يصلُ الأمرُ إلى استخدامِ نفسِ الحجارةِ الأصليةِ المنهارةِ من المبنى.
6.تغييرُ وظيفته:
وذلك عن طريقِ تغيير استخدامهِ إلى وظيفةٍ ملائمةٍ يحتاجها المجتمعُ، مع الحفاظِ على مكوناتِ المبنى الأصلية. بحيث يتحولُ المبنى من عبءٍ يُرادُ التخلصُ منهُ إلى عنصرٌ له عائدٌ اقتصاديٌّ وثقافيٌّ على المجتمعِ، ويتمُّ ذلك دونَ تغييرٍ أو إخفاءٍ للعناصرِ المعماريّةِ في المبنى كالزخارفِ وغيرِ ذلك.
7.إعادةُ التأهيل:
يهدفُ إلى العودةِ لاستخدامِ المباني التراثيةِ، سواءً في نفسِ وظيفتها أو في وظيفةٍ أخرى. وقد يحدثُ تغيرٌ طفيفٌ في تصميمها المعماريّ ليلائمَ الاستخدامَ الجديد.
مشاكلٌ تواجهُ الحفاظَ على التراثِ المعماريّ:
1.مشاكلٌ اجتماعية:
لترميمِ المباني والحفاظِ عليها يلزمُ إخلائها منَ السّكانِ لما بهِ من ضررٍعلى حياتهم لوجودِ معدّاتٍ وموادّ بنائية، وهو ما يصعبُ تحقيقهُ بسببِ رفضِ السّكان من جهةٍ ومن جهةٍ أخرى ضرورةَ التعويضِ الماليّ وتوفير سكناً بديلاً، ممّا يستغرقُ وقتاً طويلاً مسبباً ضرراً أكبر بالمبنى.
2.مشاكلٌ اقتصادية:
حيثُ إنَّ هذه العملية مكلفةٌ، وتحتاجُ عمّال إنشاءٍ مدربةٍ وماهرةٍ.
3.مشاكلٌ ثقافية:
أغلبُ شاغليّ المباني التراثية، ليسَ لديهمُ الوعيَّ بأهميةِ التراثِ ممّا يؤدي لزيادةِ التشوّهاتِ. كما أنَّ الاستعانةَ بعمالةٍ غيرِ مدربةٍ جيداً لتصحيحِ التشوّهِ يؤدي إلى الإساءةِ لقيمة المبنى التراثيّ وتعريضهِ للانهيار.
قوانينٌ وتشريعاتٌ ( في مصر ):
تمَّ وضعُ العديدِ من القوانينِ لحمايةِ التراثِ المعماريّ في مصر ومنها:
- قانونُ حمايةِ الآثارِ رقم ١١٧ سنة ١٩٨٣ يهدفُ إلى حمايةِ المباني الأثريةِ التي يزيدُ عمرها عن مئةِ عامٍ، أوإن كانت من مباني ما قبل التاريخِ او خلالَ العصورِ التاريخيةِ المتعاقبة.
- قانونُ الحفاظِ على التراثِ المعماريّ ١٤٤ سنة ٢٠٠٦ ويشملُ الأسسَ العامّةَ للتعاملِ مع المباني ذاتِ القيمةِ المعماريّةِ، والتي تعودُ إلى القرنِ التاسعِ عشر وأوّلِ القرنِ العشرين، حيثُ لم يتمّ تسجيلها كآثار.
- قانونُ البناءِ الموّحد رقم ١١٩ سنة ٢٠٠٨ يهدفُ إلى حمايةِ المناطقِ ذاتِ القيمةِ والطرازِ المعماريّ الفريد، وتحتاجُ إلى التعاملِ معها كوحدةٍ متكاملةٍ.
اشتراطاتُ البناءِ جوارَ مبنى أثريّ:
يكونُ ذلكَ بدعمِ الطابعِ المعماريّ والطابعِ العمرانيّ بالمنطقةِ.
أولاً دعمُ الطابعِ المعماريّ:
يهتمُّ بالشكلِ الخارجيّ لواجهاتِ المباني، وذلك عن طريقِ:
يعتمدُ ارتفاعُ المباني على عرضِ الشارعِ الذي يطلُّ عليه المبنى، ولايُسمحُ أن يزيدَ الارتفاعُ عن الحدِّ الأقصى المحددِ إلاّ في الخزّاناتِ وأبراجِ السلالمِ وغرفِ ماكيناتِ المصاعد.
- الواجهاتُ ونوعيةُ التشطيب:
الواجهاتُ تكونُ باللون البيج، أو لونِ الحجرِ الطبيعيّ، ويتمُّ استخدامُ الحجرِ الطبيعيّ في بناءِ الدورِ الأرضيّ فقط، أمّا الأدوارُ المتكررةُ فيمكنُ استخدامُ البياضِ بألوانِ البيج. ويمنعُ استخدامُ بياضِ الطرشةِ، وفي حالِ إعادةِ طلاءِ المبنى يجبُ طلائهُ كاملاً حتى لا يظهرَ أيُّ تشوهاتٍ في المبنى.
ثانياً البلكونات:
يتمُّ عملها في الشوارعِ بعرض 12 متر فأكثر، وبروزها لا يزيدُ عن 10% من عرضِ الشارعِ وفقاً للقانونِ رقم 119 سنة 2008 .
ثالثاً الكرنيش:
ارتفاعها لا يقلُّ عن ٢.٥ م من منسوبِ الرّصيفِ، وبروزها لا يزيدُ عن 13 سم من الواجهةِ في الشوارعِ بعرضٍ أقلّ من 12 متر، ولايزيدُ عن 25 سم في الشوارعِ التي يزيدُ عرضها عن 12 متر.
يجبُ الحفاظُ على مستوى الطرازِ المعماريّ للمنطقةِ الواقعِ بها المبنى الأثريّ، من موادِ تشطيبٍ وأشكال، حفاظاً على سلامةِ الذوقِ والطابعِ التراثيّ للمكان.
ثانياً دعمُ الطابعِ العمرانيّ:
يهتمُّ بتشكيلِ مجموعةٍ من الأماكنِ في منطقةٍ ما والنسيجِ العمرانيّ، والاستعمالاتِ السائدةِ في هذا المكانِ، والتي تحددُ هويةَ المكانِ. وذلك عن طريق:
1.النسيجُ العمرانيُّ للمنطقة :
يعتبرُ من أهمّ العناصرِ العمرانيّةِ الواجبِ احترامها في المناطقِ التراثيّةِ، لما يعني من توافقِ المباني مع بيئتها العمرانيّةِ، وحفاظهِ على الصورةِ البصريةِ في ذاكرةِ المدينة.
2.شبكةُ الطرقِ ومساراتُ المشاة:
يفضّلُ في المناطقِ التراثيةِ كثرةُ مساراتِ المشاةِ وقلّةَ مساراتِ الحركةِ بالسياراتِ، لما تخلّفهُ من ملوثاتٍ صادرةٍ عن عوادمِ السياراتِ، واهتزازاتٍ تؤثّرُ على المبنى بشكلٍ سلبيّ. كما يساعدُ ذلكَ على استمتاعِ الناس بالمكانِ وتفاصيلهِ وجمالهِ المعماريّ.
3.الإعلاناتُ واللافتات:
يمنعُ وضعُ ايّ لافتاتٍ على واجهةِ المباني الأثريةِ أوعلى واجهاتِ المباني المجاورة، لما لها من احتماليةِ حجبِ واجهاتِ المباني التراثيّةِ والتأثيرِ سلباً على قيمتها التراثيّة.
4.التشجيرُ والمسطحاتُ الخضراء:
- يتمُّ عملُ دراسةٍ لأماكنِ وضعِ الشجرِ حتى لا تؤثرَ سلباً على أساساتِ المبنى التراثيّ أو تحجبَ رؤيته.
- محاولةُ الابتعادِ عن إشغالِ المناطقِ الخاليةِ بالمباني، وبدلاً عن ذلك يتمُّ إشغالها بالحدائقِ والمنتزهات.
- يُراعى التنسيقُ بين الشجرِ المزروعِ حديثاً والمزروعِ قديماً، وأيضاً اختيارهُ بشكاٍ مناسبٍ لفترةِ نشأةِ المنطقةِ أو مشابهٍ لخصائصهِ أو طريقةِ توظيفهِ، سواءً للتجميلِ أوالتظليلِ أو رسمِ حدود.
5.الرصفُ والتبليط:
يتمُّ استعمالُ نوعياتِ رصفٍ وتبليطٍ موحدٍ في المنطقةِ التراثيّةِ، والذي هو نفسهُ المستخدمُ قديماً. وأيضاً يُمنعُ تغييرُ مستوى الرّصيفِ، وتوحيدِ شكلِ وعرضِ خاماتِ الرّصيفِ بما يتوافقُ مع الطابعِ العامّ للمكان.
6.الإضاءة:
- يجبُ استخدام نوعيات اضاءه غير مباشره لا تؤذي عين المار
- استخدام وحدات اضاءه موحده في المنطقة التراثية تتلاءم مع شكل ووظيفه طرز المباني
- يتم اضاءه واجهات المباني ذات الطراز المعماري المميز للتاكيد على اهميتها وابراز جملها
- اعمده الإنارة المستخدمة جوار المباني التراثية يجب ان يتوافق حجمها مع حجم المبنى ويفضل ان تكون على هيئه كوبيل مثبته على واجهات المباني.
7.فرشُ الشوارعِ والفراغاتِ المفتوحة :
جميعُ وحداتِ فرشِ الشوارعِ، من وحداتِ قمامة وأماكنَ إعدادٍ وأسوارٍ حول الحدائقِ وما إلى ذلك يجبُ أن يتوافقَ مع خصوصيةِ المنطقةِ التراثيةِ وطابَعِها العُمرانيّ.
أمثلةٌ على مباني تمَّ الحفاظُ عليها تراثياً:
- مجموعةُ (مسجد ومدرسة) الأميرخير بك.
- مسجدُ اصلم السلحدار.
- المتحفُ القبطيّ بمصرَ القديمة.
- مجموعةُ طرباي الشريف.
- مسجدُ اق سنقر.
- مسجدُ و مدرسةُ أم السلطان شعبان.
- أهراماتِ الجيزة.
- معبدُ الكرنك.
- معبدُ أبو سمبل.
- بابُ زويله.
- متحفُ الفنّ الإسلاميّ.
- مسجدُ ابن طولون.
أولاً الأبراج:
بُروزُ الأبراجِ لا يزيدُ عن 50% ، وارتفاع البروز لا يقلُّ عن 4 م من منسوبِ الرّصيفِ، لا يسمحُ بالبروزِ في شوارعٍ عرضها أقلّ من 4 م، ولا يجوزُ بروزُ واجهاتِ أو لافتاتِ المحلّاتِ عن خطِّ البناءِ بالدورِ الأرضيّ.