في ظل التطور السريع في القرن الواحد والعشرين، برزت المدن كنموذج للإبداع فيما يتعلق بأهداف التنمية المستدامة. تبتكر المدن حلولاً خلاقة للتحديات الحضرية مثل الكثافة السكانية والنقل والإسكان والمرونة. كما تعاني العديد من المدن حاليا من التدهور البيئي وعدم كفائة البنية التحتية الحضرية والنمو غير المنضبط. يكمن التحدي الرئيسي للمدن عالمياً في تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي وإنشاء مدن مستدامة وقابلة للحياة.

يسلط الترابط بين الأنظمة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والبيئية داخل المدن الضوء على دورها المحوري في المسيرة العالمية نحو مستقبل مستدام. من ناطحات السحاب الخضراء في ميلانو الإيطالية وسنغافورة إلى مبادرات برشلونة في تعزيز وسائل النقل العام المستدامة، شهد عام 2023 عدة مبادرات من مدن في جميع أنحاء العالم:

‍

اقتصاد "الكعكة": كيف تتعافى أمستردام بشكل مستدام؟

في عام 2020، ومع تفشي الموجة الأولى لجائحة كوفيد-19، تبنت بلدية أمستردام استراتيجية مبتكرة للتعافي من هذه الأزمة، وهي استراتيجية "اقتصاد الكعكة" أو "Doughnut Economy".

تعود هذه النظرية لكيث راورث التي شرحتها في كتابها "اقتصاد الكعكة"  

تتحدى راورث مفهوم النمو التقليدي وتقترح بدلاً منه إيجاد نقطة توازن، حيث نضمن توفير الأساسيات الضرورية لحياة كريمة للجميع، مع الحد من تأثيرنا على البيئة.

وبالتعاون مع راورث، قامت أمستردام بتكييف هذا النموذج على مستوى المدينة. ويُستخدم الآن لإطلاع وتوجيه الاستراتيجيات والمشاريع في جميع أنحاء المدينة، لتحقيق الهدف الأساسي: توفير حياة جيدة للجميع دون زيادة الضغط على الكوكب.

‍

جانيفي: قرية أفريقيا العائمة التي تكافح من أجل البقاء

في قلب بحيرة نوكوي، جنوب جمهورية بنين، تطفو جانيفي، أكبر قرية عائمة في أفريقيا. ببيوتها الخشبية الملونة، التي تتربع على أعمدة خشبية متينة، تشكل جانيفي جُزراً صناعية تعود إلى القرن السابع عشر، شاهدة على تراثٍ اجتماعي-بيئي فريد قائم على تربية الأحياء المائية.

لكن، تواجه جانيفي تحدياتٍ صعبة. فأنماطُ معيشةِ تقليدية تتعرضُ للزوال، والممارساتُ الزراعيةُ البحريةُ تواجهُ صعوباتٍ متزايدةً في الحفاظِ على أساسها الاقتصادي. كذلك، تفرضُ التغييراتُ البيئيةُ ضغوطًا إضافيةً على القرية.

ورغم هذه التحديات، ما زال أسلوبُ الحياة الفريدُ لسكانِ جانيفي، الذين يتعايشونَ مع الماءِ يوميًا، يقدمُ دروسًا قيمةً في تصميمِ مدنٍ عائمةٍ مستقبلية. فجانيفي نموذجٌ حيٌ على إمكانيةِ التنميةِ المستدامةِ المنسجمةِ مع الطبيعة، ويحملُ في طياتهِ إرثًا ثقافيًا وبيئيًا يستحقُ الحمايةَ والتطوير.

‍

باريس تقصر قامة مبانيها.. نحو خفض انبعاثات الكربون

عادت باريس مؤخرًا إلى تطبيق قانون يحدد ارتفاع المباني الجديدة في العاصمة الفرنسية بـ 37 مترًا، أي 12 طابقًا. جاء هذا القرار بعد جدل واسع حول مشروع "برج المثلث" الذي يبلغ ارتفاعه 180 مترًا، والذي صممه مكتب هرتسوغ وشركاه، والذي بدأ تشييده عام 2021 بعد أكثر من عقد من المعارك القانونية والرفض الشعبي. ويأتي هذا التنظيم العمراني الجديد كجزء من خطة "تخطيط المناخ الحضري" لرئيسة البلدية آن هيدالغو، والتي تهدف إلى الحد من انبعاثات الكربون في باريس.

‍

هانغزو تتألق: حدائق تتنفس وتستوعب.. دروس استدامة للمدن

في عام 2018، اختيرت شركة Archi-Tectonics NYC و !Melk الفائزة في مسابقة لتطوير خطة رئيسية لتحويل حديقة ألعاب آسيا 2022 في هانغزو. يمتد المشروع  على مساحة 116 فدانًا، ويضم حديقة بيئية واسعة وسبعة مباني. وعلى الرغم من أن الغرض الأولي منه كان توفير مكان لألعاب آسيا 2022 في هانغزو، فقد وسع الفريق رؤيته إلى ما هو أبعد بكثير من هذا الحدث، مما مهد طريقًا جديدًا للمستقبل البيئي للمدينة.

بناءً على نهج "مدينة الإسفنج"، أنشأ المشروع واحة جبلية مخصصة للاستخدام الترفيهي على مدار السنة. في الواقع، تعمل الواحة كرئة خضراء، حيث تعمل على تنشيط النظام البيئي المحلي.

‍

كوبنهاغن ترسم خارطة البناء المستدام: دروس نحو مدن صديقة للبيئة

اجتمعت عقولٌ لامعة من 135 دولة في أكبر مؤتمر للعمارة المستدامة على الإطلاق، حيث استضافت كوبنهاغن أكثر من 6000 مشارك. ركز مؤتمر اتحاد المهندسين المعماريين العالميين 2023 على موضوع "مستقبلات مستدامة - لا تترك أحدًا وراءك"، ووفر منصةً لباحثين ومهنيين متميزين من مختلف الخلفيات والأعمار للتعمق في طرق إنشاء مباني تعالج تغير المناخ وتعزز التنوع البيئي وتشجع على الإدماج الاجتماعي. ومع اختتام المؤتمر، تم الكشف عن "دروس كوبنهاغن"، وهي مبادئ عشرة تهدف إلى تسهيل التقدم السريع والتحولي في مجال البناء المستدام

‍