تحولت "مدينة الـ 15 دقيقة" إلى مفهوم عالمي يروج لنموذج حضري يركز على الإنسان. حيث تتيح هذه الفكرة للسكان تلبية معظم احتياجاتهم اليومية على مسافة 15 دقيقة سيرًا على الأقدام أو بالدراجة من منازلهم. طرح الأستاذ كارلوس مورينو هذا المفهوم للمرة الأولى في عام 2015، وذلك عقب مؤتمر المناخ كوب 21 الذي عقد في باريس والذي اختُتم بتوقيع اتفاقية باريس. تقترح هذه الفكرة إطارًا عمليًا وقابل للتكيف لدمج وسائل تنقل منخفضة الكربون وخلق اقتصاد محلي حيوي يدعم المزيد من التفاعل الاجتماعي وبيئات حضرية أكثر استدامة. ومنذ ذلك الحين، حظي هذا المفهوم بجائزة أوبل لعام 2021 وأوصى به تقرير مدن العالم الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (UN-Habitat). يصدر الأستاذ مورينو حاليًا كتابًا بعنوان "مدينة الـ 15 دقيقة: حل لإنقاذ وقتنا وكوكبنا" لعرض أمثلة واستراتيجيات ملموسة لتحقيق مدن أفضل.
أثناء مناقشة ركائز مفهوم "مدينة الـ 15 دقيقة"، أكد الأستاذ مورينو على أهمية تطوير تقارب أفضل كطريقة فعالة لمكافحة تغير المناخ ومواجهة آثار التغيرات الديموغرافية الحضرية والانقسامات التي شهدتها المدن في العقود الماضية. ووفقًا له، يكمن إمكانية التغيير في ثلاثة مجالات رئيسية:
الاستدامة البيئية لخفض الاعتماد على الوقود الأحفوري في وسائل النقل، تعزيز الاقتصاد المحلي لبناء مجتمعات مرنة، العدالة الاجتماعية التي ستنتج عما سبق.
يرى كارلوس مورينو، أن المدن تلعب دورًا محوريًا في مواجهة التحدي المناخي نظرًا لاستهلاكها الكبير للطاقة وانبعاثاتها من ثاني أكسيد الكربون. ولذلك، أطلق برنامجًا بحثيًا لمدة ثلاث سنوات لتطوير حلول عملية لتحسين أداء المدن بيئيًا واجتماعيًا.
حققت "مدينة الـ 15 دقيقة" نجاحاً أكبر خلال جائحة كوفيد-19، حيث أتاح العمل عن بعد ودمجه مع العمل المكتبي للناس توفير ساعات ثمينة كانوا يقضونها سابقًا بالتنقلات الطويلة. عزز ذلك مفهوم تطوير الاقتصادات المحلية كقيمة مضافة للأفراد والشركات، بما يتماشى مع رؤية مورينو حول "جغرافيا اقتصادية جديدة تقوم على التقارب المستدام". أثبت المفهوم أيضًا قدرته على الصمود خلال الأزمات المختلفة، بما في ذلك أزمة الطاقة الراهنة.
يرى كارلوس مورينو أن سر نجاح "مدينة الـ 15 دقيقة" يكمن في قدرتنا على تحقيق تقارب بين عدة مجالات: مكافحة تغير المناخ بتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، وتنمية اقتصاد محلي أكثر حيوية، وتعزيز الشمول الاجتماعي. بعبارة أخرى، إن تحسين البيئة يؤدي إلى زيادة قابلية العيش، وتطوير الاقتصاد يزيد من الجدوى، والشمول الاجتماعي يعزز القدرة على التعايش.
لم يبقَ مفهوم "مدينة الـ 15 دقيقة" مجرد فكرة نظرية، بل تبناه رؤساء بلديات من مختلف أنحاء العالم. قام هؤلاء بتبني الاستراتيجيات والأطر التي طورها كارلوس مورينو وواكبوا ظروف مدنهم المحلية. وكانت آن هيدالغو، رئيسة بلدية باريس، من أوائل من وضع هذا النموذج في صميم خطة عملها. ناقش مورينو خلال المقابلة النهج المختلفة التي اتخذتها باريس لتنفيذ هذه الفكرة، بدءًا من خفض الإيجارات لتشجيع الأعمال التجارية المحلية، وصولاً إلى اعتماد خطة طويلة الأجل للمناخ الحيوي وزيادة نسبة الإسكان الاجتماعي. يتعمق الكتاب الذي نُشر حديثًا في أمثلة أكثر تفصيلاً من جميع أنحاء العالم، بدءًا من دروس ثاني أكبر مدينة في آسيا إلى التكيفات التي تشهدها المناطق الأوروبية وأمريكا اللاتينية والإفريقية، وحتى مجتمعين ريفيين.
يعتمد مفهوم "مدينة الـ 15 دقيقة" على أبحاث متاحة للجميع، سواء للأفراد أو الإدارات المحلية، للاستفادة منها وتكييف إطار العمل وإيجاد حلول محلية مستوحاة من الواقع. يدعو مورينو إلى رحلة تعتمد على كل من البحث والمعرفة المحلية لخلق تقارب سعيد، وتقليل البصمة الكربونية للمدن، وإحياء الاقتصادات المحلية، وتعزيز الشمول الاجتماعي.