مقدمة:
يعتبر المهندس المعماري حسن فتحي (شيخ المعماريين العرب) رحمه الله أحد أهم رواد العمارة في القرن العشرين، حيث أنه خرج إلى العالم بفكر جديد وأفكاره الخاصة مثل (عمارة الفقراء – عمارة الطين) وأصبحت أفكاره أساس لما عرف بعد ذلك بإسم العمارة البيئية، وأفكاره إحياء لمفاهيم معمارية كانت تطبق في مصر منذ آلاف السنين، كما أنه أعاد إحياء العناصر المعمارية التي استخدمت في العمارة الإسلامية لملائمة استخدامها في عمارته.
نعرض لكم نبذة مختصرة عن حياته ودراسته وإنجازاته بالإضافة إلى فلسفته وطريقة تفكيره وبعض الجوائز التي حصل عليها وبعض أعماله.
حياته ودراسته:
ولد المعماري المصري حسن فتحي في مدينة الإسكندرية عام 1900م، لأسرة مصرية ثرية وله أصول تركية - والدته من أصول تركية - وانتقل في الثامنة من عمره إلى جنوب القاهرة، تخرج من كلية الهندسة المعمارية في جامعة القاهرة 1926م، طمح ليكون مهندساً زراعياً لكنه لم يفلح في ذلك، عمل بعد تخرجه مهندساً بالإدارة العامة للمدارس بالمجالس البلدية، بدأ التدريس في كلية الفنون عام 1930م. يعد حسن فتحي بروفيسور عالمي، مهندس وهاوي موسيقي وكاتب مسرحي ومخترع، وكان يلقب بمهندس الفقراء.
إنجازاته:
اشتهر بطرازه المعماري الفريد حيث استمد مصادره من العمارة الريفية المبنية بالطوب والبيوت والقصور بالقاهرة القديمة، تعد قرية القرنة التي بناها ليقطنها 3200 أسرة جزء من تاريخ البناء الشعبي الذي أسسه بما يعرف (عمارة الفقراء). صمم ما يقارب 160 مشروع، كان أول مشروع له مدرسة طلخا الإبتدائية بريف مصر ومنها أتى اهتمامه بالعمارة الريفية، صمم فتحي المسجد والمدرسة التي شيدت من الطوب واللبن في دار السلام، وهو مركز تعليمي في الولايات المتحدة الأمريكية، وشغل حسن فتحي عدة مناصب حكومية منها:
عضو المجلس الأعلى للفنون والآداب في مصر – عضو شرف في مركز الأبحاث الأمريكية في القاهرة – عضو شرف المعهد الأمريكي للعمارة – عضو لجنة تحكيم جائزة الآغا خان في العمارة
فلسفته وتفكيره:
كرس حياته لإسكان الفقراء، و يعد من المعمارين القلائل الذين دعوا إلى تحسين الإسكان الريفي، فقد سعى إلى جعل التصميم بيئي من خلال التكلفة القليلة واستخدام المواد المحلية، وكان يقول أن المبنى يجب أن يخرج من الأرض والمحيط المتواجد به حيث قال (يجب أن ينتمي الإنسان إلى المنزل كما أن المنزل ينتمي إليه). وكان يعتمد في تصاميمه على (الفناء الداخلي – ملقف الهواء – القبة والقبو – استخدام مادة الطين – ارتباط العمارة بالبيئة المحيطة)، حيث كان يحاول إرجاع ما يسمى بالعمارة الأصيلة التي تنبع من الحاجات وتلبي الاحتياجات من نفس روح المكان والتراب الذي نمشي عليه.
بعض أقواله:
" هناك 800 مليون نسمة من فقراء العالم الثالث محكوم عليهم بالموت المبكر بسبب سوء السكن، هؤلاء هم زبائني "
" شخص لا يستطيع بناء منزله ولكن عشرة أشخاص يستطيعون بناء عشرة منازل لهم "
"الحداثة لا تعني بالضرورة الحيوية، والتغير لا يكون دائماً للأفضل"
نبذة عن الجوائز العربية والعالمية التي حصل عليها:
· جائزة الدولة التشجيعية للفنون الجميلة (ميدالية ذهبية) عن تصميم وتنفيذ قرية " القرنة الجديدة "، وكان أول معماري يحصل عليها عند تأسيس هذه الجائزة عام 1959م.
· جائزة الآغا خان للعمارة عام 1980م.
· جائزة لويس سوليفان للعمارة (ميدالية ذهبية) – الإتحاد الدولي للبناء والحرف التقليدية عام 1987م.
· جائزة برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية عام 1989م.
جائزة حسن فتحي للعمارة:
تهدف جائزة حسن فتحي للعمارة، التي أطلقتها مكتبة الإسكندرية ولجنة العمارة بالمجلس الأعلى للثقافة،إلى الإرتقاء بالعمارة المصرية المعاصرة، ونشر الوعي الثقافي بالعمارة وأهميتها في المجتمع. كما تهدف إلى تشجيع وتكريم وتقدير المهندسين المعماريين المصريين. تتناول الجائزة كل عام موضوعات مختلفة، ويتم تقييم أعمال المشاركين من قبل لجنة تحكيم عالية المستوى، تضم خبراء من مصر والعالم
بعض أعماله:
قرية القرنة الجديدة في مدينة الأقصر بجنوب مصر:
يبلغ عمرها حوالي نصف قرن وهي من أندر قرى مصر حيث تم تصميمها على طراز معماري فريد، كانت الغاية منه تأمين مسكن بديل لأهالي قرية القرنة القديمة تقع قرية القرنة بمحافظة الأقصر على ضفاف نهر النيل وبجانب الأراضي الزراعية وهي نتاج بين البناء اليدوي والتراث الإسلامي حيث أن بيوتها مكونة من بيوت طينية.
كان على المهندس حسن فتحي تجنب المشاكل لبناء القرنة الجديدة وأغلب المشاكل تتمثل في الظروف المناخية والعوامل الطبيعية كعوامل التعرية والرياح التي ينتج عنها تآكل الجدران، حيث استمد طريقة بناء الأسقف المقببة من الحضارة الإسلامية واحتوت المنازل على نوافذ تأخذ شكل المشربيات لتهوية الغرف وكانت الجدران بسماكة كبيرة لإبعاد الحرارة بأقصى قدر ممكن وبذلك نجح بجعل المنازل باردة.
تم بناء مسجد كبير في مدخل القرية عليه نقوش معمارية جميلة، وسوق كامل ومسرح روماني الهيئة والشكل بالإضافة إلى ثلاث مدارس مدرسة للإناث ومدرسة للذكور ومدرسة للحرف اليدوية وحوالي سبعين منزل. وحصل على جائزة من الحكومة المصرية لمساهمته في إنشاء القرية عام1959م وكتب تجربته في تصميم القرية وإنشاؤها في كتاب سماه (عمارة الفقراء).
عقدت عدة مؤتمرات السنوات الأخيرة في محاولة من منظمة اليونيسكو لإعادة إحياء تراث المهندس حسن فتحي وتطوير قرية القرنة التي إنهار أكثر من نصفها، حتى تم تطوير وترميم قرية القرنة الجديدة على كافة المستويات في سبيل حمايتها وتدعيمها، بالإضافة إلى تحسين الظروف المعيشية لأهالي القرية، وتم تحويل القرنة إلى محمية أثرية، بالإضافة إلى وجود مركز متخصص بالعمارة المستدامة في القرية نفسها وانتهت وزارة الثقافة المصرية من أعمال الترميم في 30 نوفمبر عام 2021م في ذكرى حسن فتحي.
قرية دار السلام بنيومكسيكو في الولايات المتحدة الأمريكية:
تقع قرية دار السلام بولاية نيو مكسيكو القرية تم تصميمها لتستوعب 100 أسرة وتتكون من مسجد في مركز القرية، مدرسة دينية، سكن المدرسين، معهد للدراسات الإسلامية المتقدمة، متاجر، مركز للنساء، مكتبة وعيادة طبية.
زار المعماري حسن فتحي الموقع في عام 1980م ليقدم تصميماته ويعرض طرق البناء التقليدية التي ينوي استخدامها واحضر معه 2 اثنان من البنائين النوبيين لنقل خبراتهم وتدريب العمالة الأمريكية، وقام بشرح وعرض فكره وتصميمه أمام 300 من المعماريين ومسؤولي الحكومة من كل أنحاء الولايات المتحدة بالإضافة إلى السكان المستقبليين للقرية.
واجه المشروع بعض المشاكل منها: الشروط المعايير الأمريكية المتشددة التي رفضت الطوبة المستخدمة بإعتبارها طوبة (غير متزنة) طبقاً للحد الأدنى من المواصفات الأمريكية وتم إضافة طبقة رقيقة من الإسمنت للتتوافق مع الحد الأدنى من المعايير المطلوبة، الإختلاف التقني بعد وفاة المعماري حسن فتحي تم استكمال البناء بإستخدام الشدادت الخشبية لتشكيل القبب والقبوات لعدم توافر الخبرات والعمالة التقليدية.
إن المعماري حسن فتحي أثر فينا بكل أفكاره وتصميماته ورغبته بتطبيق أفكار الإستدامة وأن يكون السكن بشكل خاص مريح وحرارته مناسبة صيفاً وشتاءً بالإضافة إلى الحفاظ على هُوِيَّة المحيط والمكان الذي سيبنى عليه، والآن أصبحت أفكاره وكتابه عمارة الفقراء يدرس في العديد من الجامعات العربية والعالمية.
أهم كتبه:
· متابعات علمية في الثقافة الغذائية والطبية (كراسات الثقافة العلمية ): يتناول هذا الكتاب مخاطر العادات الغذائية على صحة الإنسان عامة والإنسان المصري خاصة – إلى جانب الأمراض التي انتشرت نتيجة العادات الغذائية السيئة.
· الطاقات الطبيعية والعمارة التقليدية: إن موضوع العمارة التقليدية يقدم الكثير من المفاهيم التي يمكن استخدامها اليوم لحل كثير من مشاكل الإسكان المستعصية والتي تواجه الملايين في العالم الثالث. ولتوضيح هذا الأمر، وقع اختيار القائمين على برنامج الطاقة في جامعة الأمم المتحدة على أمثلة من العمارة التقليدية في الأقاليم ذات المناخ الجاف الحار في العالم العربي والأقاليم المجاورة. وتوافرت القناعة بأن الأستاذ حسن فتحي هو أكثر المؤهلين للكتابة في هذا الموضوع لأنه منذ أكثر من نصف قرن، معماري مميز، وخبير بالعمارة التقليدية، خاصة في العالم العربي.
· قصة مشربية - قصة يوطوبيا: قصتان ضمن مغلف واحد، تلخصان هاجسه في فن العمارة والبيئة بأسلوب أدبي مميز.
· عمارة الفقراء: كرس المهندس المعماري حسن فتحي حياته للسكن ولكنه لم يذهب إلى القصور ومن يسكنها من الأغنياء، وإنما اهتم بالفقراء الذين لا يقدرون على أعمدة رخامية وساحات متسعة وحدائق تحيط بها، هؤلاء من قدم لهم مشروعه لبناء صحي اقتصادي جمالي، والذي وضعه في هذا الكتاب مشروحاً ومفصلاً ومدعوماً بالتجربة الحية التى عاشها المؤلف في قرية القرنة.