"التخلف لا يبُقي على شيءٍ، ولا يعُيد إعمار الخراب، ومِن الأمل أن تعاد العمارة إلى وضعها الأصل" رفعت الجادرجي
عرّاب العمارة العراقية الحديثة، والكاتب وصاحب تصميم قاعدة تمثال نصب الحرية رفعت الجادرجي، هو مهندسٌ معماريٌ عراقيٌ معروفٌ بأعماله الرائعة في مجال التصميم المعماري.
وُلد الجادرجي في العاصمة العراقية بغداد عام 1926، وهو ابن السياسي والصحفي والوزير المشهور كامل الجادرجي. بعد إكماله للمرحلة الثانوية في بغداد عام 1946 سافر رفعت الجادرجي إلى بريطانيا ليدرس فنون العمارة والتصميم في جامعة همرسيمث للفنون التشكيلية، وأكمل دراسته عام 1952. توفي يوم الجمعة 10 إبريل/ نيسان عام 2020 عن عمرٍ ناهز 94 عاماً في العاصمة البريطانية لندن، حيث أقام فيها منذ أن غادر العراق عام 1983 ليتنقل بين بيروت وأمريكا والعاصمة البريطانية.
ما هي الأساسيات التي كان المعماري رفعت الجادرجي يتبناها؟
تأثرت أعمال رفعت المعمارية بحركة الحداثة في العمارة، ولكنه حاول أيضاً أن يضيف إليها نكهةً عراقيةً إسلاميةً. معظم واجهات المباني التي صممها مغلفةٌ بالطابوق الطيني العراقي، وعليها أشكالٌ تجريديةٌ تشبه الشناشيل (هي تحفة معمارية تمتد فوق الشارع أو الزقاق أو داخل الفناء الداخلي للمنزل (الحوش)، وتُبنى بالخشب المنقوش بالزجاج الملون، حتى تتيح للنساء مشاهدة الحي بالخارج من داخل بيوتهن، وخصوصا عندما كان الحي منغلقا وتصميم البيوت موجه للداخل وليس الخارج2( وغيرها من العناصر التقليدية.
إنّ رفعت الجادرجي قد وصل بالعمارة التقليدية "التحدارية" كما يطلق عليها إلى المستوى الشكلي التجريدي، فأصبح ينظر إليها كمنحوتةٍ فنيةٍ لها خصائص تقليديةٌ مجردةٌ حسب مفهومه، لكنه لم يتعامل مع الفراغ المعماري بتلك النظرة التحدارية أو بتلك الخلفية التقليدية، فعندما نشاهد مساقطه الأفقية نجد أنها في كثيرٍ من الأحيان تكون مساقط أفقيةً مستوحاةً من الحداثة.1
كان المعماري رفعت الجادرجي يتبنى العديد من الأساسيات في التصميم المعماري، ومن بينها:
استخدام المواد الطبيعية المحلية:
يفضل الجادرجي استخدام المواد الطبيعية المحلية فيت صميماته، مثل الحجر والخشب والطين، حيث يرى أن هذه المواد تتلاءم مع البيئة المحلية وتعزز الهوية الثقافية للمكان.
ويعتمد الجادرجي أيضاً على فكرة الابتكار والتجريب في تصميم المباني، حيث يستخدم التقنيات الحديثة والمواد الجديدة في إنشاء تصاميم معماريةٍ فريدةٍ وجديدةٍ، مع الحفاظ على الأصالة والتراث المحلي.
الأشكال الهندسية البسيطة:
يتميز تصميم الجادرجي بالأشكال الهندسية البسيطة، حيث يستخدم الخطوط المستقيمة والأشكال الهندسية الأساسية مثل المثلثات والمربعات والدوائر، ويسعى إلى إيجاد التوازن بين الأشكال والمساحات والضوء والظل.
الضوء والظل:
يولي الجادرجي اهتماماً كبيراً للضوء والظل في تصميماته، حيث يسعى إلى استغلال الضوء بشكلٍ فنيٍ وإبداعيٍ لخلق أجواءٍ مذهلةٍ وفريدةٍ من نوعها، كما يحرص على تحديد مكان النور وتصميم النوافذ والفتحات بشكلٍ دقيقٍ للحصول على أفضل تأثيرٍ ممكن.
المرونة والتكيف:
يركز الجادرجي على تصميم المباني التي تتناسب مع احتياجات السكان والمستخدمين، ويهدف إلى إيجاد حلولٍ مرنةٍ ومتكيفةٍ مع التغيرات في الاحتياجات والظروف المحيطة بالمبنى.
البيئة المستدامة:
يولي الجادرجي اهتماماً كبيراً للبيئة المستدامة في تصميماته، حيث يسعى إلى تحقيق التوازن بين البيئة والتصميم المعماري، ويهدف إلى استخدام تقنياتٍ ومواد صديقةٍ للبيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية.
يؤيد المعماري رفعت الجادرجي فكرة تصميم المباني التي تتماشى مع البيئة وتحترم الثقافة والتراث المحلي، كما يعتمد في تصميماته على فلسفة "المباني الحيّة" أو "المباني الناطقة"،حيث يسعى إلى تصميم مبانٍ تعكس شخصية وثقافة وتاريخ المجتمع الذي تنتمي إليه.
ويؤمن أيضا بأن المعماري له دورٌ كبيرٌ في تحسين الحياة الاجتماعية والاقتصادية للمجتمعات، وأن المباني يمكن أن تكون عنصراً محفزاً لتنمية المدن وتحسين جودة حياة الناس. لذلك يعمل الجادرجي على تصميم مبانٍ تحتوي على مرافق اجتماعيةٍ وثقافيةٍ وترفيهيةٍ وتعليميةٍ، والتي تشجع على التفاعل الاجتماعي والتعلم والابتكار.
ومن أعظم الإنجازات التي يتم ذكرها وتداول صورها إلى يومنا هذا هو النصب الأول للجندي المجهول في ساحة الفردوس، الذي تم هدمه في عام 1982، ومبنى الاتحاد العام للصناعات، ومبنى نقابة العمال. كان أيضاً فناناً تشكيلياً موهوباً، وصمم علم العراق الأزرق المثير للجدل والذي لم يعتمد.
كان عضواً فخرياً منتخباً في الجمعية الملكية البريطانية للمعماريين منذ 1982.
وللجادرجي مؤلفاتٌ عدةٌ معظمها يدور حول العمارة والتنظير المعماري، منها:
"شارع طه وهامر سميث"، و "الأخيضر والقصر البلوري"، و"مقام الجلوس في بيت عارف
آغا"، و "في سببية وجدلية العمارة"، و"دور المعمار في حضارة الإنسان"، و"حوار في بنيوية الفن والعمارة"، و "صورة أب-الحياة اليومية في دار السياسي كامل"، و"صفة الجمال في وعي الإنسان: سوسيولوجية الاستطيقية"، و"حياة بين ظلمتين" (وهو الكتاب الذي يحكي قصته عندما كان في السجن).
المعماري رفعت الجادرجي صمم العديد من المباني والمشاريع الهامة في الفترة من عام 2010 حتى عام 2020، ومن بين هذه المشاريع:
مبنى الحرية في بغداد (2010-2018)
إعادة تأهيل ساحة النجف الأشرف (2012-2014)
مشروع مباني وزارة الدفاع في بغداد (2012-2018)
مشروع تطوير منطقة الرصافة الجديدة في بغداد (2015-2020)
مشروع إعادة تأهيل المناطق الأثرية في محافظة كربلاء (2016-2019)
مشروع إعادة تأهيل مستشفى الكندي في بغداد (2017-2019)
مشروع إعادة تأهيل مركز الحسين للسرطان في النجف الأشرف (2020 – 2018)
تحليل معماري لمبنى الجندي المجهول المصمم من قبل المهندس رفعت الجادرجي:
يتميز هذا المبنى بالتصميم البسيط والمميز، حيث يحاكي المنظر العسكري بشكلٍ جميلٍ ومؤثٍر. ويعبر المعماري رفعت الجادرجي من خلال هذا التصميم عن الحرب والتضحية والشجاعة التي يمثلها هذا المبنى.
تتميز الواجهة الرئيسية للمبنى بالتصميم الأنيق والبسيط، حيث تحتوي على نقوشٍ إسلاميةٍ بسيطةٍ وتحمل صورة الجندي المجهول.
يتميز التصميم الداخلي للمبنى بالبساطة والاحترام للموقع، حيث يوجد داخل المبنى تمثالاً للجندي المجهول على قاعدةٍ مرصعةٍ بالرخام، ويحيط بها حجارةٌ بسيطةٌ تمثل القوة والحماية.
يعتمد المعماري رفعت الجادرجي في هذا التصميم على المواد المحلية والتقليدية، واستخدم الحجر الرملي والرخام في البناء، كما استخدم الإضاءة الطبيعية لتوفير الإضاءة الداخلية للمبنى.
يعد الميلان في هذا النصب دلالةً على وطنٍ تمت حمايته من قبل جنديٍ مجهول الهوية على الرغم منكل المخاطر والموت بشجاعة.
يتميز هذا المبنى أو النصب التذكاري بالتصميم الرائع الذي يعبر عن الحرب والتضحية والشجاعة بشكل جميل، كما يتميز بالتصميم البسيط والمحترم للموقع. ويعد هذا المبنى مثالاً جيداً على الاستخدام الحكيم للمواد والتصميم البيئي والمستدام في المباني العامة.
رفعت الجادرجي المعروف بأبو الهندسة المعمارية العراقية، شارك في بناء وتشييد كثيرٍ من المباني والمؤسسات العراقية، وكانت له يدٌ كبيرةٌ في تغيير وتطوير الهندسة المعمارية العراقية، عرف باهتمامه بالمواد المحلية والبيئة والتفاصيل الدقيقة في البناء، مثل الضوء والظل والتهوية والتكييف و ...، كتب مجموعةً كبيرةً من الكتب الهندسية والقصصية، ومن أهم الأبنية التي صممها مبنى الجندي المجهول والذي إلى الآن يعتبر من أهم معالم بغداد، حصد الكثير من الجوائز ومن أشهرها جائزة الآغا خان للعمارة. رفعت الجادرجي هو اسمٌ لمع في عالم الهندسة المعمارية العربية بشكلٍ عامٍ والعراقية بشكلٍ خاص.
أهم أعمال رفعت الجادرجي:
صمم رفعت الجادرجي أكثر من 100 مبنىً في جميع أنحاء العراق، من بينها: