معرض طريق في مبنى وردة مسار

راما محجوب
26.4.2025
معرض طريق في مبنى وردة مسار

استمع عوضاً عن القراءة:

ما بين الخامس والثامن عشر من نيسان/أبريل 2025، احتضن مبنى "وردة مسار" غير المكتمل في سوريا معرضًا فنيًا استثنائيًا حمل عنوان "طريق"، ونُظِّم من قبل مبادرة "مدد". وقد شكّل هذا المعرض، الذي احتضن أعمالاً فنية معاصرة تروي حكايات المعاناة السورية خلال أكثر من عقد من الزمن، تجربة فريدة جمعت بين الفنون التشكيلية والسياق المعماري غير الاعتيادي للمكان، ما منحه طابعاً مركّباً ومشحوناً بالدلالات.

بُني "وردة مسار" ليكون يومًا ما جزءًا من مشروع "مسار"، وهو مشروع ثقافي وتعليمي ضخم كان يهدف إلى تأسيس فضاء مفتوح للأطفال والعائلات في دمشق، يجمع بين الترفيه والتعليم والفنون. يتميز المبنى بتصميمه الدائري الذي يشبه بتلات الوردة، ومن هنا جاءت تسميته، وقد صُمم ليكون مركزًا ديناميكيًا متعدد الوظائف. الهيكل الخرساني الأنيق يحمل إمكانات وظيفية مرنة ومساحات داخلية واسعة تسمح بتحويلها إلى صالات عرض، مسارح أو منصات تعليمية. لكن المشروع توقف إثر الحرب في سوريا، تاركًا وراءه هياكل ضخمة تشير إلى مرحلة عمرانية لم تكتمل. وعلى الرغم من أن المبنى لم يُستكمل من الناحية الوظيفية أو التقنية، إلا أنه حافظ على حضوره المعماري، ليُعاد توظيفه اليوم بشكل مؤقت ضمن سياقات ثقافية وتجريبية جديدة.

المعرض الذي أقيم في "وردة مسار" لم يكن مجرد حدث فني، بل تجربة مكانية - معمارية بالدرجة الأولى. الأعمال الفنية، التي شملت تركيبات بصرية، صور فوتوغرافية، ونصوص أدبية، تفاعلت مع بنية المكان الخام، لتمنح الزائرين تجربة حسية مضاعفة؛ إذ إن الخرسانة المكشوفة، الأعمدة العارية، والفراغات المفتوحة، كلها كانت جزءًا من السرد البصري العام. لم تكن الأعمال معروضة على الجدران، بل كانت تمتزج مع المساحة، في علاقة تبادلية ما بين الفن والمكان.

هذا النمط من المعارض التي تُقام داخل مبانٍ غير مكتملة أو مهجورة بدأ يشق طريقه عالميًا كنوع من استثمار "الفراغ المعماري" كوسيط فني، وهو ما يمنح التجربة طابعًا عاطفيًا ومفاهيميًا مضاعفًا، الكثير من هذه الأعمال عكست حالات النزوح، الانهيار، وإعادة البناء — وهي في جوهرها مواضيع معمارية بقدر ما هي إنسانية. في حالة "وردة مسار"، جاء المعرض ليعيد إحياء المبنى مؤقتًا، ويطرح تساؤلات عميقة حول جدوى الإهمال، وإمكانية استثمار المساحات غير المكتملة كمنصات ثقافية بديلة.

المعرض فتح الباب مجددًا للنقاش حول مستقبل مبنى "وردة مسار" وإمكانية إعادة تفعيله كفضاء عام. من الناحية المعمارية، لا يزال المبنى يحمل إمكانات ضخمة تؤهله ليكون منصة متعددة الاستخدامات، لاسيما في مدينة تفتقر إلى فضاءات ثقافية مرنة. وبالرغم من التحديات الاقتصادية والبنيوية، إلا أن تجارب كهذه تبرز كدليل حي على أن "العمارة غير المكتملة" لا تعني بالضرورة "العمارة الميتة".

الحدث ألقى الضوء أيضًا على أهمية استعادة المباني المتروكة وتحويلها إلى محاور للنشاط المجتمعي والثقافي، لا فقط كحالة إنقاذ عمراني، بل كفعل مقاومة رمزي في وجه الدمار والنسيان.

المعرض:

شارك المقال :

25.4.2025

المساهمون :

تحرير:

المصادر :
مختارات ..مختارات ..مختارات ..مختارات ..مختارات ..مختارات ..
مختارات ..مختارات ..مختارات ..مختارات ..مختارات ..مختارات ..
مختارات ..مختارات ..مختارات ..مختارات ..مختارات ..مختارات ..